حلاوة الإيمان، لوزير الأوقاف
يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ : مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ رَسُولاً ” (رواه مسلم) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : ” ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” (صحيح البخاري) .
ويقول أهل التصوف : من ذاق عرف , ومن عرف اغترف , ومن أدلج بلغ المنزل , ومن علامات قبول الطاعة حبها والإقدام عليها , والتلذذ بها , وطلب المزيد منها , وقد قالوا : المؤمن في المسجد كالسمك في الماء , والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص , وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يجعل صاحب القلب المعلق بالمساجد من السبعة الذين يظلهم الله (عز وجل) في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله , حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” (رواه البخاري).
فالإيمان يورث الإيمان ، والهدى يزيد الهدى ، والتقي يتبع التقي , حيث يقول الحق سبحانه في شأن فتية أهل الكهف : ” إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى” , ويقول سبحانه : ” وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى” , ويقول سبحانه : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ” (الأنفال : 2-4) .
وبما أن رمضان هو جماع الخير من صلاة وصيام وقيام وذكر ودعاء وقراءة قرآن ومدارسة علم , فما أعظم الروح الإيمانية , وما أجلاها ، وما أبهاها ، في هذا الشهر الكريم , ولذا قال بعض الصالحين لو يعلم الناس ما في رمضان من الخير لتمنوا أن يكون العام كله رمضان ، ففيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النيران ، وتصفد الشياطين ومردة الجان ، ولله في كل يوم وليلة فيه عتقاء من النار ، من صامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر فيه غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن فطر فيه صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء ، من أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وقد كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أجود الناس ، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة ، غير أنه كان أجود ما يكون في رمضان ، لعميم بركة هذا الشهر الكريم ، ومما يرتبط بحلاوة الإيمان في هذا الشهر الكريم إدخال السرور على الناس جميعًا وبخاصة الفقراء والأيتام والمحتاجون ، فمن أدخل السرور على مسلم كان حقًا على الله أن يرضيه يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “ مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ” (رواه مسلم).
فما أحوجنا إلى هذا التكافل والتراحم والتعاون الذي يحقق بصدق حلاوة الإيمان لمن ملأ الله قلبه بالهدى ، وشرح صدره للإسلام ، حيث يقول سبحانه : ” فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ” .